Search This Blog

Sunday, October 23, 2016

القاضي الانفصامي في الفكر الظلامي (5)

القاضي الانفصامي في اللاهوت الظلامي –الحلقة الأخيرة

تساؤلات و اعتراضات حول التجسد و الفداء و القيامة


1-    ما هو الغرض من التجسد ؟
للإجابة على هذا السؤال سنسترجع آيات من الكتاب المقدس و صلوات ليتورجية و كتابات آبائية :
·         "فَخَلَقَ اللهُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ. عَلَى صُورَةِ اللهِ خَلَقَهُ. ذَكَرًا وَأُنْثَى خَلَقَهُمْ." (تك 1: 27) .
·         "أَنَا قُلْتُ إِنَّكُمْ آلِهَةٌ؟ إِنْ قَالَ آلِهَةٌ لأُولئِكَ الَّذِينَ صَارَتْ إِلَيْهِمْ كَلِمَةُ اللهِ، وَلاَ يُمْكِنُ أَنْ يُنْقَضَ الْمَكْتُوبُ" (يو 10: 34- 25) .
·         "شركاء في الطبيعة الإلهية" (2 بط 1: 4( .
·         إِذْ سَبَقَ فَعَيَّنَنَا لِلتَّبَنِّي بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ لِنَفْسِهِ، حَسَبَ مَسَرَّةِ مَشِيئَتِهِ، لِمَدْحِ مَجْدِ نِعْمَتِهِ الَّتِي أَنْعَمَ بِهَا عَلَيْنَا فِي الْمَحْبُوبِ " (اف 1: 5- 7( .
·         يا الله العظيم الأبدي، الذي جبل الإنسان على غير فساد (القداس الباسيلي) .
·         "باركت طبيعتي فيك"  (القداس الغريغوري) .
·         وأردت أن تُجدّده، وتردّه إلى رتبته الأولي. لا ملاك ولا رئيس ملائكة ولا آباء ولا نبيًا ائتمنته على خلاصنا. بل أنت بغير استحالة، تجسدت وتأنست، وشابهتنا في كلّ شئ ما خلا الخطية وحدها. وصرت لنا وسيطًا لدى الآب، والحاجز المتوسط نقضته، والعداوة القديمة هدمتها. (القداس الغريغوري) .
·         "هو أخذ الذي لنا و أعطانا الذي له" (ثيؤطوكية الجمعة) .
·         "حقًا لقد أخذ الناسوت لكي نصير آلهة. لقد أعلن عن نفسه خلال جسد لكي ما ندرك عقل الآب غير المنظور، لقد احتمل العار لكي ما نرث عدم الفساد." (أثناسيوس الرسولي) .
o       لأنها لم تلد مجرد إنسان بسيط مثلنا، بل بالحري الكلمة الذي من الله الآب، الذي تجسد وتأنس، لأننا نحن أيضًا نُدعى آلهة بحسب النعمة، أما الابن فليس إلهًا على هذا النحو، بل بالحري هو إله بالطبيعة وبالحق، حتى وإن كان قد صار جسدًا. (كيرلس الكبير) .
o       ورغم أننا دُعينا آلهة، فإننا لا نجهل قياس حدود طبيعتنا، لأننا من الأرض ونحن ننتمي إلى فئة العبيد، وأما هو فليس مثلنا، إذ هو بالطبيعة وبالحقيقة الابن، ورب الكل، وهو من السماء. (كيرلس الكبير) .
·         بحب الله نصير آلهة، وبحب العالم نصير "العالم".(كيرلس الكبير) .
·         لنتشبه بالمسيح لأنه تشبَّه بنا. لنصِرْ آلهة معه لأنه صار إنسانًا لأجلنا. لقد اعتنق الشيء الأقل صَلاحًا ليُعطينا الأفضل. تسوَّل بشرتنا لنغتني بفقره. اتخذ شكل عبد ليُعِتقَنا من العبودية. تنازل ليرفعَنا. قَبِلَ أن يُجرَّبَ ليُعينَنا على النصر. احتُقِر ليُمجِّدنَا ومات ليُخلِّصنا. صعد إلى السماء ليرفع إليه القابعين في الخطيئة.( القديس غريغوريوس النيزينزي) .
·         "إنكم آلهة وبني العلي تدعون". لهذا الهدف صار كلمة الله إنسانًا. ابن الله صار ابن الإنسان، حتى أن الإنسان إذ يدخل في الكلمة، ويتقبل التبني، يصير ابنًا لله. فإنه ليس من وسيلة أخرى يمكننا بها أن نبلغ إلى عدم الفساد وعدم الموت. لكن كيف كان يمكننا أن نرتبط بعدم الفساد وعدم الموت فيُبتلع الفساد بعدم الفساد، والمائت بعدم الموت فنتقبل تبني الأبناء؟ الله صار إنسانًا ليصير الإنسان إلهًا (لقديس إيريناؤس) .
·         نلخص ما سبق في أن الغرض من التجسد هو أن يمنحنا الله طبيعته التي خلقنا عليها من خلال الاتحاد بنا كمثل أب عليه أن ينزل بمستواه الفكري إلى مستوي فكر ابنه ليعلمه أن يصبح مثله.

2-    ما هو تعريف الموت ؟ و ما هو الفداء و الكفارة ؟
·         الموت في المنظور اللاهوتي الشرقي هو الانفصال عن الله و الدفن في فساد الخطية.
·         الفداء و الكفارة هو التضحية بالذات للإنقاذ من الموت فالمسيح حمل موتنا الروحي و أكد ذلك في قوله "إلهي إلهي لماذا تركتني" .
·         يرجي الرجوع للحلقة الثالثة و النظر في جدول المفاهيم بين الشرق و الغرب .

3-    هل من العدل موت المسيح بدل البشر ؟
·         إذا نظرنا أن موت البشر هو حكم عقابي ناتج عن الخطية فبالطبع موت المسيح بدلنا ليس من العدل إطلاقًا.
·         أما الموت الروحي بفساد الطبيعة فليس من العدل أن يرى الله البشر ابنائه في فسادهم و يقف مكتوف الأيدي دون أن "يُعَدِّل" طبيعتهم و هذا هو العدل الإلهي بالمفهوم الأرثوذكسي .

4-    مات بدلنا أم مات لأجلنا ؟
·         مما سبق يتبين أن المسيح مات لأجلنا لينقذنا من فساد الموت فبموته داس الموت و بقيامته منحنا الحياة .
·        فهو لم يمت بدلنا كبديل عقابي عنا حسب ما تسرب إلينا من تعاليم غربية من خلال الترانيم و غيرها من أنشطة الكنائس الغربية .

5-    إذا كان المسيح قد دفع عقاب خطايانا فلماذا مازلنا نحاسب عليها ؟ و لماذا نعتمد ؟ و لماذا نحاسب علي أعمالنا ؟
ما هي الخطية الجدية ؟ و ما هو دور المعمودية ؟ و ما هي التوبة ؟
·         الخطية الموروثة (الجدية):
o       مثال واقعي قاصر: امرأة أدمنت مخدرات أفسدت جسدها و عندما حملت انتقلت هذه السموم إلى جسد الجنين الذي فسد أيضًا بسبب السم المنقول إليه..... و عندما كبر الطفل أحب المخدرات مثل أمه... هنا لم يجد الأب وسيلة لنزع السم من الأم و الابن إلا من خلال منحهم دمه ليبدلوه بدمائهم (exchange transfusion) و لكن في هذه الحالة علي الأم و الابن أن يحافظوا علي دمهم الجديد الذي منحه لهما الأب من تعاطي سموم جديدة لئلا يعودوا إلى فسادهم كما كانوا.
o       علينا أن ندرك أن الأم و الابن لم تكن عليهما عقوبة بتهمة التعاطي بل مرض و فساد.
o       الأب لم يأخذ مكانهما في السجن أو المستشفي بل منحهما دمه النقي ليعيشا به في نقاوة.
o       هذا باختصار التجسد و الفداء و وراثة الخطية دون وراثة عقوبة.
·         تأكدنا مما سبق من خطأ النظرية العقابية فلذا بعد أن منحنا المسيح الطبيعة التي تفوق الموت و الخطية أصبحنا تحت مسئولية أكبر تجاه أعمالنا .
·        فالمعمودية هي سر قبول الفداء ففيها صلوات طلب نعمة الفداء و الحصول علي الطبيعة الجديدة من خلال الموت و القيامة و تنظيف الطبيعة الفاسدة .
·        و التوبة هي عملية الحفاظ علي الطبيعة الجديدة .

6-    هل ورث المسيح الخطية الجدية ؟
·         تأكدنا من عدم وراثة العقوبة بل وراثة الفساد و هنا علينا أن نتسائل: كيف يمكن لمانحنا الطبيعة الجديدة أن يرث الطبيعة الفاسدة ؟!
·         سنجيب عن هذا السؤال بتشبيه رياضي و هو: ∞- 1000000000= ∞
·         فالمسيح كلي الطهر و النقاوة لا يتأثر بأي فساد بل ينقي ما فسد .

7-    نظريات الفداء و البدع المرتبطة بها :
أولاً النظريات:
ثانياً البدع:
1-      بيلاجيوس: خطية آدم قاصرة عليه دون بقية الجنس البشري و إن كل إنسان منذ ولادته يكون كآدم قبل سقوطه ثم قال إن الإنسان بقوته الطبيعية يستطيع الوصول إلى أسمى درجات القداسة بدون انتظار إلى مساعدة النعمة .
·         هذه البدعة تنكر قيمة الفداء و المعمودية و عمل النعمة كما أنها ضد اللاهوت الشرقي الذي أكد علي قيمة التجسد و الفداء.
2-     أُنسلم أسقف كانتربري: صاحب نظرية البدلية العقابية (اللاهوت الغربي) و هذا نتيجة حياته في ظل فترة العصور الظلامية في أوروبا و عمله في السلك القضائي قبل رهبنته و كهنوته في القرون الوسطى و تعد نظريته هي أوسع البدع انتشارًا و بدأت الكنائس الشرقية و المستنيرين من الكنائس الغربية محاربة فكر أُنسلم.

8-    هل أكدت صلوات الليتورجيا علي البدلية العقابية ؟
·         "حوَّلت لي العقوبة خلاصًا" (القداس الغريغوري):  (بالرجوع للحلقة الثانية) ملخص الاجابة:
o       "أنت يا سيدي حوَّلت لي العقوبة خلاصًا كراع صالح سعيت في طلب الضال، كأب حقيقي تعبت معي أنا الذي سقطت، ربطتني بكل التأديبات المؤية إلى الحياة أنت الذي أرسلت لي الأنبياء من أجلي أنا المريض، أعطيتني الناموس عونًا أنت الذي خدمت لي الخلاص لما خالفت ناموسك، كنور حقيقي أشرقت للضالين وغير العارفين"
o       هنا يؤكد القديس أغريغوريوس أن العقوبة ليست هدف الفداء بل كانت أداة استُعمِلت قديمًا قبل الأنبياء و الناموس و التجسد و نجدها واضحة في الطرد من الفردوس لمنع الحياة إلى الأبد في الفساد (تك 3: 22)
o       القديس ثاوفيلس الأنطاكي: [إن الطرد وإن كان عقوبة لكنه حمل صلاحًا من جهة الله، إذ أراد معاقبة الخطية وإصلاح الإنسان ورده بعد إعادة تجديده.]
·         "هكذا ارتفع على الصليب ليحمل عقاب خطايانا نحن الذين أخطأنا وهو الذي تألم نحن الذين صرنا مديونين للعدل الإلهي بذنوبنا" (قسمة سنوي للابن)
o       غير موجودة بـ"الخولاجى المقدس بدون هوامش - 1902 - القمص عبد المسيح المسعودى"
o       غير موجودة في كتاب الخولاجي المقدس - الطبعة الخامسة - دير السيدة العذراء مريم - المحرق
o       أضافت الطبعات العربية للخولاجي بعد عام 1970 بالتحديد صلاة القسمة التي تبدأ: “أيها الابن الوحيد الكلمة الذي أحبنا وحبه أراد أن يخلصنا من الهلاك الأبدي …”، ثم تقول: “هكذا ارتفع على الصليب ليحمل عقاب خطايانا”
o       تحمل هذه الصلوات صبغة كاثوليكية غربية و نجد هذا واضحاً في مخاطبة جراح المسيح و الآلام الجسدية.
o       أرجو من الجميع البحث لأي مرجعية لتلك الصلاة في الخولاجيات و كتب الليتورجية في الطبعات القديمة و سأقوم بنشر تعديل إذا ثبتت مرجعيتها لما قبل هذا التاريخ.

·         "يا من أحبنا وأراد من فيض حبه ورحمته ومن دلائل عدله وبره وثبوت حكمه وقضائه أن يفدينا من موت الخطية الأصلية ويرفع عنا عقوبتها الأبدية بأن يموت بدلاً عنا" (قسمة صوم وأعياد القديسة العذراء مريم)
o       الصلاة ليس لها أي مرجعية من الخولاجي المقدس بمختلف طبعاته
o       لا توجد سوي في موقع الأنبا تكلا.
o       ليس من طبع الكنيسة القبطية الأرثوذكسية توجيه صلوات القِسَم للعذراء أو القديسين .
o       يظهر علي الصلاة الطابع الكاثوليكي بتعظيم السيدة العذراء و توجيه الصلوات لها .
o       مرجع الصلاة "كتاب: برنامج الرياضات الروحية العائلية في صوم القديسة مريم العذراء" الصادر عن الكنيسة الكاثوليكية .
o       أرجو من الجميع البحث لأي مرجعية لتلك الصلاة في الخولاجيات و كتب الليتورجية في الطبعات القديمة و سأقوم بنشر تعديل إذا ثبتت مرجعيتها بكتب الليتورجية الأرثوذكسية.


9-    ما هو عدل الله ؟ هل ارتبط عدل الله بالعقوبات أو التأديبات ؟
·         عدل الله هو تعديل الخطأ و ليس العقوبات و الثواب و العقاب .
·         العقوبات كانت قديمًا وسيلة تأديب و ليست أداه للعدالة.
·         الدينونة ليست عقوبة بل اختيار (الرجوع للحلقة الرابعة) " وَهذِهِ هِيَ الدَّيْنُونَةُ: إِنَّ النُّورَ قَدْ جَاءَ إِلَى الْعَالَمِ، وَأَحَبَّ النَّاسُ الظُّلْمَةَ أَكْثَرَ مِنَ النُّورِ، لأَنَّ أَعْمَالَهُمْ كَانَتْ شِرِّيرَةً. لأَنَّ كُلَّ مَنْ يَعْمَلُ السَّيِّآتِ يُبْغِضُ النُّورَ، وَلاَ يَأْتِي إِلَى النُّورِ لِئَلاَّ تُوَبَّخَ أَعْمَالُهُ. وَأَمَّا مَنْ يَفْعَلُ الْحَقَّ فَيُقْبِلُ إِلَى النُّورِ، لِكَيْ تَظْهَرَ أَعْمَالُهُ أَنَّهَا بِاللهِ مَعْمُولَةٌ" (يو 3: 19- 21)

10-                       لماذا نرفض النظرة القضائية للفداء ؟
·         النظرة القضائية تخالف تعاليم الكتاب و الليتورجية و آباء كنيسة الإسكندرية.
·         نظرية غربية روج لها أنسلم و انتشرت بيننا نتيجة المد الغربي الكاثوليكي و البروتستانتي.
·         ضد مفهوم عدل الله.
·         ضد العقل.
·         سبب في كثير من الهرطقات الغربية كالمطهر و الحبل بلا دنس.
·         تفصل بين الآب و الابن فتجعل منهما شخصين بمشيئتين (و هذا لا يختلف كثيراً عن النسطورية التي نادت بمشيئتين للاهوت و ناسوت السيد المسيح)
o       الآب الغاضب الذي يلعن البشر و يطلب هلاكهم.
o       الابن المحب الذي قدم الفداء لإرضاء غضب الآب.
فالنظرية القضائية تصور الله كقاضي منفصم الشخصية كما صوره اللاهوت الغربي في عصوره الوسطي الظلامية.

No comments:

Post a Comment