مصادر المعرفة المسيحية
سراج منير في موضع مظلم
" اَللهُ، بَعْدَ
مَا
كَلَّمَ
الآبَاءَ
بِالأَنْبِيَاءِ
قَدِيمًا،
بِأَنْوَاعٍ
وَطُرُق
كَثِيرَةٍ، كَلَّمَنَا فِي هذِهِ
الأَيَّامِ
الأَخِيرَةِ
فِي
ابْنِهِ،
الَّذِي
جَعَلَهُ
وَارِثًا
لِكُلِّ
شَيْءٍ،
الَّذِي
بِهِ
أَيْضًا
عَمِلَ
الْعَالَمِينَ" (عب 1: 1، 2)
هذا ما بدأ به بولس
الرسول رسالته الي العبرانيين متحدثاً عن صوت الله عبر الزمن.... و هنا يبدأ
التساؤل: أين هو صوت الله الآن ؟؟
لدينا مثل شعبي شهير "ربنا عرفوه بالعقل" و سنجد حقاً ان الله
كانت له علاقته المباشرة بعقل الانسان علي مر العصور و باختلاف تطوره العقلي. و
ليس هذا فحسب بل نجده ايضا يراعي عقل الانسان و ما يؤثر عليه من الظروف الاجتماعية
و الثقافية. و هنا علينا ان نعيد صياغة قول بولس الرسول لما يتناسب مع عصرنا
الحالي لنعرف تطور تواصل الله مع الانسان لنصل الي اجابة اهم سؤال يشغل بال مسيحيو
العصر الحالي و هو ما هي مصادر المعرفة المسيحية ؟
الله كلمنا من خلال:
1- الانبياء
2- شخص يسوع ثم حلول الروح القدس
3- الرسل و آباء القرون الاولي
4- حياة القديسين و الشهداء
5- اخيراً العلم الحديث بعد فترة الركود في تخلف
العصور الوسطي الظلامية
من هنا نجد ان المصادر عديدة و قد نجد بينها اختلافات و خلافات و لكن العقل
البشري الذي يستوعب هذه الخلافات يستطيع ان يضع كل مصدر تحت النقد حتي يصل للمعني
الذي يعطيه ما يكفي للاجابة عن تساؤلاته.
و مع اتساع مدارك الانسان علي مر العصور رأي الله انه نجح في خلق من هو علي
مثاله و من هو مستحق ان يعرف من هو الله حتي يتسني للبشري ان يصبح حقاً في علاقة
فعالة مع الله. و من هنا نسأل: هل معرفة الله ضرورية ؟
استخدم الكتاب المقدس تشبيهات عديدة لتصوير علاقة الله بالانسان و لعل اهم
و ادق هذه التشبيهات هي الزيجة الموضحة في العديد من المواضع و اهمها نشيد
الانشاد. و من هذا التشبيه سننطلق
س: ما رأيك بالزواج بشريك لا تعرفه ولا تعرف ادق تفاصيله ؟ و كيف يمكن ان
تحب شخص دون ان تمتلك فضول معرفة كل ما يخصه ؟
لعلنا الآن نضع في الاعتبار ان اساس العلاقة و المحبة هو المعرفة و لذا كان
قول الله واضحاً " قَدْ هَلَكَ
شَعْبِي
مِنْ
عَدَمِ
الْمَعْرِفَةِ.
لأَنَّكَ
أَنْتَ
رَفَضْتَ
الْمَعْرِفَةَ
أَرْفُضُكَ
أَنَا" (هو 4: 6)
و هنا يظهر امامنا سؤالان هما محور دراسة المدونة :
1.
ماذا ينبغي ان نعرف ؟
2.
كيف نعرف ؟
و اجابة السؤال الاول بسيطة جداً و لكنها تحمل تعقيداً كبيرا و هي ببساطة: «كل ما يمكن ان يحصل عليه عقلك في جميع المجالات» و لكنني سأعيد صياغة السؤال حتي
نحصل علي اجابة محددة: ماذا ينبغي ان اعرف حتي استطيع الحياة كإنسان في علاقة حية
مع الله ؟
و هنا لنا اجابة في نقاط محددة لا تقل اهمية اي نقطة عن الأخري:
1-
من انا ؟ من هو الانسان ؟
2-
ماذا يحيط بي ؟
3-
من هو الله ؟
4-
و الأهم: ما علاقتي أنا بالله و ما حولي ؟
**
و هنا نجد اننا في سعي لا نهائي لمعرفة غير محدودة و لكننا الآن فقط نستطيع ان
نقول اننا وقفنا علي نقطة بداية طريق لا نهائي ذو متعة لانهائية
وقفنا علي خط البداية و سنبدأ الآن بجمع
أدوات المعرفة أو بمعني اصح مصادرها.... فمن اين نحصل علي المعلومات اللاهوتية و
ما هي مصادرها ؟ و كيف نميز دقة المصدر ؟ و هل كل المصادر موثوق منها ؟
المصادر و اهم النقاط حول دراستها (ستكون
هناك حلقات مخصصة لمناقشة تفاصيل كل مصدر علي مر العصور):
1-
الكتاب المقدس:
أ.
هو كتاب ناتج عن التفاعل الحي بين الله و
الانسان ساهم في كتابته الكثيرين علي مدار 1600 عام
ب.
كتب من خلال الوحي الالهامي (حيث يكتب
الانسان باسلوبه قصد الله) و ليس وحي املائي (حيث يملي الله علي الانسان ما يجب
كتابته من ناحية الهدف و الاسلوب)
ج.
تتنوع فيه الاساليب و القوالب من شعر و رموز
و تاريخ و غناء و حِكَم و شرائع و نبوات لخدمة رسالة واحدة و هي خلاص الانسان.
د.
يتأثر العنصر البشري بالعوامل المؤثرة علي
الكاتب.
ه.
من الوارد ان نشكك في دقة الكاتب في النواحي
العلمية و الثقافية و الاجتماعية حيث ان جميعها عناصر بشرية تمثل مجرد قالب ادبي و
لا تعتبر في حد ذاتها هدف من اهداف كتابة الكتاب المقدس.
و.
الله لا يخطئ فنجد ان العنصر اللاهوتي او
الخلاصي لا يحوي اي اخطاء.
ز.
نستنتج ان الكاتب قد يصيبه
عدم الدقة في قالب العرض لكن وحي الله يوجهه ليصيب الهدف ايا كان اسلوب الكاتب
و ثقافته و كلامه.
ح.
لا يهدف النص الكتابي اطلاقا لاعطاء معلومات علمية او تاريخية
او ثقافية بل جميعها قوالب ليست دقيقة علي المستوي المادي و لكنها دقيقة بنسبة مائة
بالمائة في توصيل الهدف الروحي
ط.
من غير المنطقي تقييم كتاب يتحدث في علم الفلك و نقيمه دينيا.....
هكذا من غير المنطقي تقييم الكتاب المقدس بالحقائق العلمية او حتي استخدامه للحصول
على حقائق علمية فالكتاب المقدس كتاب روحي له طابع ادبي ليس له اهداف علمية او ثقافية
ي.
في الواقع نحن لسنا امام "كتاب مقدس" بل
"كتب مقدسة" عددها ٧٣ يتنوع كُتَّابها ادبيا و ثقافيا و اجتماعيا و تختلف
ايضا ثقافات المجتمعات التي تتلقي رسالة السفر لكن مع اختلاف القالب و الثقافة و الكاتب
و المجتمع نجد الهدف واحد
ك.
فمثلا: "التكوين"
برموزه و افراح "نشيد الانشاد" و كآبة "مراثي ارميا" و نبوات
"اشعياء" و شرائع "اللاويين" و تاريخ "القضاة" و فلسفات
"رسائل بولس" نجد فيها تنوع غريب من حيث الاسلوب و القالب و لكن الاغرب اننا
بعد تفسيرها نجد ان الرسالة واحدة وسط هذا البحر من التنوع
ل.
عند دراسة مقطع من الكتاب المقدس يراعي
التالي:
v
الكاتب كشخص و العوامل المؤثرة فيه
v
زمن الكتابة من الناحية الاجتماعية و
الثقافية
v
ثقافة المتلقي (شعب زمن السفر)
v
الغرض من الرسالة
v
القالب الادبي المستخدم
v
اللغات الاصلية التي كتب بها النص
م.
الكتاب المقدس هو مصدر للمعرفة الروحية فقط و
اي معلومات علمية او ثقافية موجوده به هي مجرد اداة للتوصيل و ليست هدف فلا يمكن
بأي شكل من المنطق اتخاذ الكتاب المقدس كمرجع علمي عن تاريخ الشرق القديم بل هو
استغلال تاريخ الشرق القديم لشرح علاقة الانسان و الله.
2-
اقوال و كتابات آباء القرون الاولي:
أ.
هم اقرب من عاشوا لزمن المسيح و عاصروا
الرسل
ب.
نضع دائما في الاعتبار التنوع الفكري و
الثقافي و المجتمعي للاباء
ج.
جميعهم بشر قابلون للخطأ
د.
نجد بينهم خلافات كبيرة و علينا ان ندرس
ابعاد كل قول من ناحية:
v
ثقافة القائل
v
عوامل المجتمع الذي قيلت فيه
v
اسباب القول
ه.
رأيهم استشاري و ليس الزامي كبشر غير معصومين
من الخطأ
و.
علم اللاهوت او معرفة الله غير قاصر علي اباء القرون
الاولي بل هو علم ناتج عن العلاقة الحية بين الإنسان و الله فمن الطبيعي أن نجده في
تطور مستمر. ليس نقض لما هو قبله بل تكملة لما قبله
v مثال: كلمة اقنوم لا نجدها في كتابات القدامي
قبل نيقية بل التطور في الفهم اللاهوتي ادي الي ابتكار اللفظ و تفسيره.
و لازالت توجد اسقفيات للبحث العلمي تهدف الي تطوير
المعارف اللاهوتية و تكميلها و ليس نقضها
3-
الصلوات الليتورجية:
أ.
تعتبر جزء لا يتجزأ من كتابات الآباء الاوائل
ب.
من اهم مصادر المعرفة المسيحية في الكنائس
الارثوذكسية و الكاثوليكية
ج.
تحوي كنوز نتاج تفاعل الروح القدس مع الكتاب
المقدس مع الانسان مع الثقافات البشرية
4-
حياة الشهداء و القديسين:
أ.
اعتبرت الكنيسة ان الشهداء و القديسون هم
انجيل منفذ عملياً
ب.
نضع ايضا في الاعتبار انهم بشر قابلون للخطأ
كما ان عوامل الزمن و المجتمع لابد ان توضع في الاعتبار عند الاقتداء بهم
5-
الاباء المعاصرون:
منهم من قام بدراسات محايدة صحيحة و منهم من
تأثر بثقافات العصور الظلامية و منهم من تلقن دون بحث و منهم المشحون طائفياً.
6-
العلم و ثقافة المجتمع:
أ.
العلم هو وسيلة الله عبر الزمن لاعمال عقل
الانسان
ب.
العلم هو نتاج تعامل العقل
البشري مع الطبيعة
ج.
العلم يمنح الانسان القدرة علي التمييز
د.
العلم يجعل الانسان شريكاً لله في المعرفة
ه.
نضع ايضاً في الاعتبار ان العلم مرتبط بما
وصلنا اليه من اكتشافات قد يثبت خطؤها غداً
و.
العلم لا يمكن ان يخضع
للثقافات الحضارية او الدينية بل هو يقوم علي الملاحظات و الاستنتاجات العقلية فقط
ز.
التغيرات العلمية لا تجعل العلم خاطئا بل هي دليل
على أن العلم يسير في اتجاه تجارب تطور من العلم و تزيد من دقته.... فهي لا تثبت خطأه
بل علي العكس تزيد من دقته و تجعله أكثر اهلية لثقة العقل البشري
**علينا
ان نضع في اعتبارنا ان العنصر البشري قد يرتبط بمصالح شخصية فقد نجد كاتب يوجه
كتاباته فيما يخص مصالحه و مبادئه مثال ما حدث في روما اثناء الصراع بين الهيمنة
البابوية و المعارضة البروتستانتية و ما حدث في خلقيدونية (451م) من صراع بين بطاركة الشرق و الغرب.
** نري في جميع ما سبق ان كل مصدر لا يخلو من
الاخطاء و لا نجد مصدر معصوم من الخطأ و ذلك لأن العنصر البشري موجود في جميع
المصادر و لا يملك الانسان سوي عقله لكي يعرف و يصل الي المعلومة النهائية فعلي
الانسان البحث في جميع المصادر بحياد تام ثم يتم ترتيب ما وصل اليه من افكار حتي
يصل للمعلومة النهائية بعقله العامل.
حتي نصبح مسيحيين اسوياء
علينا ان نقيّم كل ما حولنا باستخدام عقولنا بعد دراسات وافية حتي نصل الى التجانس
التام بين الكتابات الدينية و المعارف العقلية فتسير في توازي تام في اتجاه الحياة
الافضل للانسان من الناحية الجسدية و العقلية و النفسية و الروحية دون تناقضات او مفاهيم
خاطئة فلا ننعزل بالروحيات عن العلوم المادية ولا نكتفي بالعلم المادي دون الارتقاء
لما وراءه من روحيات.
** في الحلقات القادمة سنستخدم هذه المصادر
للاجابة عن التساؤلات التي طرحناها
س: من هو الله ؟
س: ما هو الانسان ؟
س: كيف كانت العلاقة بين الانسان و الله علي
مر العصور ؟
كما اننا سنتناول المعارف اللاهوتية و
الدراسات الكنسية و الامور الكتابية بما يجعلنا ابناء الله بفهم ومعرفة لا بتلقين
بشرِي